الغضب
يبدو أنه لا يوجد أحد على ظهر هذا الكوكب لم يسمع بمشكلة الدانمرك مع المسلمين.
وسائل الإعلام ، و الشارع المصري بدأوا يصورون لي موجة غضب عارمة تحولت في شارع سوريا و لبنان إلى موجة تدمير مادي لسفارتي الدانمرك.
و لذلك كان أول شيء يجب عمله في عملية تشريح المشكلة الدانمركية هي تشريح الغضب نفسه ، لماذا نغضب؟ من البديهي طبعا أنه عندما يتم الاستهزاء بشخص رسول كريم مثل سيدنا محمد فمن البديهي أن يغضب من يؤمنون به و من الصعب على بعضهم أن يسيطر على مشاعره، و انا اتفق و هذا التحليل البديهي البيسط و أراه سبب واضح لكل هذا.
و لكن الغرب لم يفهم حتى الآن السبب، أقول هذا بناء على الأسئلة التي وجهها إلي العديد من الناس، مثل واحد مسيحي امريكي سأل قائلا لماذا كل هذا الغضب؟ إنهم يستهزؤن بالمسيح في أمريكا و لا نفعل هذا.
فوجئت أيضا بعد قراءة العديد من المجلات و المطبوعات أن بعض الكتاب يقولون هل نسخر من المسيح و الانجيل في مقابل سخريتكم من نبينا؟ هذا السؤال مع احترامي يبدو له شقين .. شق يدل على أننا لا نعرف شيء عن الدانمرك من الأصل .. و شق آخر يعطي السؤال شيء من المصداقية.
العامل الأول
العامل الأول للمشكلة و هو الذي لا يفقهه كثير من الناس هو أن الدانمرك – كغيرها من دول أوروبا – هي دولة علمانية و ليست مسيحية، بمعنى آخر أنها نتاج صراع قديم بين السلطة الدينية ممثلة في الكنيسة مع السلطة الزمانية الممثلة في الحكومة، و الذي انتهى منذ سنين بان نصبت السلطة الزمانية أو الحكومة سلطانها على الأمور .. و أصبحت الكنيسة ليس لها دور حيوي في حياة المواطن الأوروبي. و من ثم فإن الأيدلولجية الدينية بطبيعة الحال أصبحت هي الأخرى على عمومها لها شكل و بعد آخر. لقد انتهت شخصية الأيدلوجية الدينية في اوروبا و أصبحت في وجهة نظر حركات مهمة - نستطيع القول أنها جوهرية في تكوين الثقافة الأوروبية المعاصرة – أصبحت مجرد قوة عليها أن تأخذ حقها كباقي القوى الموجودة في الدولة .. فمن حق الجميع أن يؤمنوا بأي دين يريدون .. بل و من حقهم ألا يؤمنوا بأي أديان أصلا – و هذا ما عليه الغالبية بالمناسبة – لأن الدين بالنسبة لهم كأديولوجية مثلها مثل أي شيء آخر من حق الرجل الأوروبي قبوله أو رفضه بل و ربما عدم التفكير فيه من الأساس.
يتفق الكثيرون على أن كثيرا من الأمريكيين ليس لهم ناقة ولا جمل في السياسية، إذا لكي تفهم هذا فعليك أن تعلم أن نسبة كبيرة منهم و نسبة أكبر في أوروبا ليس لهم ناقة و لا جمل في الأديان من أساسه. كثيرا ما قابلت نسوة من أمريكا قلن لي انهن لا دين لهن و ينتظرن حتى يتزوجن فيختار لهن زوجهن دينا.
و مثل هذه المقولة الأخيرة تجعل الكثير من الناس من سكان الشرق الأوسط يتعجبون بل و لا يفهمون أصلا .. كما لا يفهم الأوروبيون في نفس الوقت كيف يصل الدين من مجتمع ما، في زمن ما أن يكون بهذه الأهمية التي تصل مهما كان إيمان أشخاص هذا الدين أو هذه الأيدولوجية بصاحبها أن يقلب العالم كله رأسا على عقب.
في مصر عندما تقابل شخصا تسأله هل أنت مسلم أم مسيحي ؟ و من الطبيعي جدا أن يجيب بإحدى الإجابتن. و لكن في أوروبا على عمومها، فأنت تسأل هل لك دين أم ليس لك دين؟ و من العجيب أن الإجابات قد تأتي على النحو التالي: أنا ليس لي دين، أنا لا أؤمن بالأديان، بل و ربما يقول لك الدين فكرة سخيفة.
و لو أجابك بأن عنده دين فستسأله ما هو دينك؟ فلن يقف على مسلم و مسيحي و إنما ستجد ديانات أخرى مثل السحر، و الويكا، و ربما يقول لك أنه يعبد الشيطان، و ربما يكون في النهاية مسيحيا أو يهوديا او مسلما.
و ربما يكون صنع له دين من رأسه، أو قام بتجميع الأديان.
و على هذا فالدين في وجهة نظر الثقافة الأوروبية هي حرية شخصية، و ليست أساسا للتعامل الاجتماعي ولا أساسا لحكم دولة، بل هي من حقك الشخصي .. طبعا أي دين تريد و أي ملة تريد من حقك ممارستها دون اضطهاد ما دمت أنت تؤديها دون أن تؤذي أحدا. هذا هو الفكر الأوروبي.
في المقابل فإن الأيدولوجية الدينية تلعب دورا جوهريا في بناء الثقافة في منطقة الشرق الأوسط، و بطبيعة الحال فإن المسلمين من أهل الشرق الأوسط أو من غيره يعلمون تمام العلم أن الدين الإسلامي هو منهج حياة لا يصح تهميشه، و لكنهم في أوروبا كغيرهم .. قوة لها حقوق كأي قوة و ليس لها أن تحكم أو تسيطر.
و قد حالفني الحظ أن التقيت بالكثير من الدانمركيين منهم من يؤمن بالأديان و منهم من لا يؤمن.
إن الكيان الثقافي المنعزل في منطقة الشرق الأوسط لم يفهم حتى الآن أن الجريدة الدنماركية في وجهة نظر أي حكومة اوروبية هي جريدة تمثل قوة على الدولة ان تحميها، تماما كما عليها أن تحمي المسلمين .. و على هذه الدولة أو الحكومة أن تضع الجريدة بمعتقدها أيا كان و دون الالتفات إلى محتوياته – كغيرها أيضا من دول أوروبا – على قدم المساواة مع المسلمين داخل الدانمرك و خارجها ، ثم الحكم بينهما بما تقتضيه المصلحة.. و الدولة قدمت اعتذارا للمجموعة المسلمة تعلن فيه عن عدم موافقتها على ما نشر في الجريدة .. و لكن ما على العقلية الشرق أوسطية أن تفهمه هو أن الحكومة هنا من حقها فقط إبداء رأيها و لكن ليس من حقها أن تمنع المعتقد أو القوة أو التيار الفكري الخارج من الجريدة إلا لو كان له أثر مضر بالناس و ضرر تقبله هي و تفهمه كحكومة تتعامل بمبدأ واحد زائد واحد يساوي أثنين.
أحب في هذه النقطة أن أقول أني لا اكتب هذا الكلام لأدافع عن الرجل الذي سب حضرة النبي عليه الصلاة و السلام، و لا حتى لأخلي طرفه .. و لكني أتكلم الآن و أكتب لأوضح أشياء أراها من الأهمية بان توضع أمام أعين الناظرين من الجانب الآخر على الجانب الأول أو العكس.
إن الشعوب الشرق أوسطية لها كل الحق في ألا تفهم هذا، و نعطيها الحق في الغضب و الثورة و بعث الإيميلات و الرسائل – أنا شخصيا بعثت رسالة شديدة اللهجة لمدير الجريدة – و لكن .. لكن علينا أن نحاول أن نفهم كيف يكفر الدانمركيين على الأقل لكي يفهموا لماذا يتم عقابهم على تهمة جريدة لا دخل لأكثرهم فيها.
كثير من الدانمركيين يتفق و إيانا على سفاهة الرسوم، يتفقون.. و لكنهم كانوا ينتظرون من المسلمين ربما تحركا آخر غير مبدأ العقاب على وتيرة أن السيئة تعم.. فمثلا دعني هنا اسأل سؤالا في هذه المقاطعة التي يقودها الأعراب من سكان الخليج .. يعني دعونا نسأل سؤالا بسيطا .. الساسة الكبار من الأعراب يستطيعون فهم أن الحكومة الدنماركية تبيح حرية الرأي و لا تمس مجرد المساس بأي أحد إلا لو كان هناك ضرر واضح، فلماذا لا يرفعون قضية على الجريدة و يوكلوا لها أكبر المحامين باوروبا و يدفعوا لهم مبالغ مالية بدلا من انفاق أموال للدعاية لهدم بلد ما؟
قيل على لسان البعض - و سنتعرض لذلك - أن الدانمرك بكل المعايير الإقتصادية ستضرب ضربة قاصمة في هذه المقاطعة لأن نصف صادراتها تصب أصلا في المملكة العربية السعودية .. و الدانمرك تحت طائلة العقاب هذه ستجوع فيها أسر و ستبدأ البطالة في الظهور فيها بل و ربما يمس هذا الجوع حوالي 400 ألف مسلم يحيون في الدانمرك و يمس ذويهم و أهاليهم.
و لماذا لا ينفقون أموالا و يطبعوا صحفا مقابل الصحيفة المعنية و باللغة الدانمركية ترد بأدب إسلامي كما جرت عادة المسلمين تاريخيا على هذا النوع من انواع الهجوم السافر خاصة و أن السنة الشريفة أوضحت أن الجزاء دائما ما يكون من جنس العمل
يعني شخص ما عنده جريدة مشهورة جدا، نشر كاريكاتيرات تسب حضرة الرسول المصطفى أغضبت المسلمين، ننشر لهم جريدة نحن في الدانمرك خاصة، جيدة الطباعة بلغتهم تخلق نوع من المعارضة عليهم و تعرف الناس بالمسلمين. يعني سيدنا محمد سب و طورد في حياته نفسها و لكنه لم يرد إلا بالعفو .. و هذا ما نراه واضحا من أسلوبه الشريف في الرد على إهانات أهل الطائف الذين فعلوا فيه أضعاف ما فعله الدانمركيون.. فرفض أن يطبق ملك الجبال عليهم الأخشبين عسى أن يخرج منهم الرجل الصالح ..هذا و قد كانت الطائف وقتها لا تحظى بمسلم واحد.. فما بالك بأن الدانمرك فعلت نسبة ضئيلة جدا مما فعله الطائفيون، و مع هذا عندهم حوالي 400 ألف مسلم حوالي أربعة في المائة من سكان الدانمرك كلها و صدق أو لا تصدق هي الديانة الثانية في الدانمرك
يتبع
No comments:
Post a Comment