Monday, March 12, 2012

عصر الخرافة



يسألني البعض عن مصطلح اطلقه كثيرا و هو مصطلح النظرة الكيشوتية او نظرة دون كيشوت للأمور.. و لذلك فأريد توضيح هذه المسألة في هذا المقال..


دون كيشوت هي قصة من التراث الأسباني، و عرضت في كثير من الرفوف الأدبية على مدار التاريخ فهي مشهورة جدا في أسبانيا.. و ظهرت في القرن السادس عشر


و القصة عن شخص يدعى دون كيشوت يجلس معظم وقته في مكتبته يقرأ القصص، و هو كان معجبا جدا بعتصر الشر المطلق و عنصر الخير المطلق.. و كان يعيش في قرية كعادة قرى اسبانيا ا لقديمة، المليئة بالفلاحين .. فهم لطيبتهم يستمعون للرجل و هو يحدثهم عن قوى الظلام التي تعيش خارج الحدود.. أو ( الطرف الثالث)


و لم يكن للرجل أي ميول سياسية، كان الرجل نبيلا من الطبقة البرجوازية .. في قصره الخاص وسط مكتبته .. و لكن من كثرة عشقه لروايات الفروسية تلك بدأ يحدث الفلاحين بها و يهول بوجود قوى ظلام مطلق لا بد من محاربتها..


و خافت القرية من هذه القوى .. دون بينة .. فخرج الرجل بفرسه و معه فلاح مسكين .. و اتجهوا الى سفرهم ليحاربوا هذه القوى الشريرة.. و في اثناء سفرهم هبت ريح قوية .. و لشدة الظلام رآوا ثلاث وحوش كبيرة لم تكن الا طواحين هواء.. و لكنهم لم يتبينوها .. بسبب الظلام فاجهض دون كيشوت عليهن فكانت اذرع الطواحين تضرب دروعه دون رحمة حتى اجهزت عليه..


فرجع الى قريته مدمرا مهلكا .. و حكى قصة قوى الشر التي ضربته و كسرت دروعه..


و في الواقع لم يكن هناك قوى شر خارجية، و لم تكن تلك القوة المادية المفرطة التي ضربته إلا بضعة طواحين هواء.. و ان كل ما حدث في قريته ما هي الا نتيجة انعزالهم .. و تصديقهم بالخرافات ..


الواقع انه لا يوجد شر مطلق.. الانسان الواحد فيه شيء من الخير و شيء من الشر يتصارعان ..

الواقع الاخر هو ان ما يحدث في الطبيعة لا يشترط ابدا ان يكون له سبب واحد .. ربما يكون له عدة اسباب..

الشر المطلق و الحق المطلق.. و السبب الواحد .. كلها علامات مشتركة في الادب منذ ان كتب الاسباني ميغيل سرفانتس سافيدرا قصته الدون كيشوت في القرن السادس عشر الى الان .. بيد ان الادب مع قرون عدة تطور و بدأ يقترب من الواقع في كثير من مدارسه ..ففي الكلاسكية العائدة مثلا يحاول الكاتب تجنب الحكم على الشخص بكونه حق مطلق او شر مطلق.. هو ينقل شخص من الواقع بمتناقضاته حق و باطل مجتمعة معا .. و ينقل احداث واقعية من هذا الشخص و يترك القاريء ليحكم .. اما المدرسة الرومانسية مثلا فهي تهتم برصد عنصرالحق في البطل و عنصر الباطل .. و ترى ان الصراع بين الباطل و الحق في شخصية الانسان هو ما يؤدي في النهاية الى الوصول لمس الجانب الشعوري منه .. و احياء الشخصية و اعطائها بعد واقعي.. و مدارس اخرى كثيرة


و مع ذلك ففي العصورالحديثة و مع ظهور السينما الامريكية .. فقد بدأت النظرة الدون كيشوتية تاتي مرة اخرى .. و بدأ الشر المطلق و الحق المطلق يتلاقيان .. و اثر ذلك على السينما المصرية ( اللهم الا بعض الشخصيات القلائل التي جمعت صيغة الشر و الخير معا مثل شخصيات فيلم الكيف مثلا و شخصيات فيلم العار التي تهتم بسرد مقومات الخير و عوامل الشر في الشخصية الواحدة و تحاول نقل الصراع بينهما لمستوى فهم المشاهد ) و فيما عدا امثلة قليلة .. فهي كذلك في اعلامنا المصري و بالتالي العربي..


و لأن التعليم و التعلم اغلبه كان على شاشة التلفاز .. فستظل طريقة حكم كثير من المصريين على الشيء الواحد حكما سهلا .. مطلقا .. لا شبهة فيه.. فمن يتكلم و يقل خطأ فهو شرمطلق.. و من يتكلم ويقل خيرا فهو حق مطلق.. و يتصارع الناس على هذا .. و قس على ذلك بالسلب او الايجاب كل نقاشاتنا السياسية و المعرفية و الدينية تحت سماء مصر.


إن واجبنا الوطني الان هو تعليم انفسنا .. و تعليم اصدقائنا في هذا الوطن .. بكل ما اوتينا من قوة .. حتى نخرج بالخرافات و البدع من حياتنا و نتعامل مع بعضنا بما يطالبنا به تراثنا و تنآى ثقافتنا عن غيره و هو التعامل برقي الاخلاق المصرية و تدينها و مرجعيتها الصلبة.

No comments: