Tuesday, September 27, 2011

حكاية ثورة - الحلقة صفر - العالم الذي قامت فيه ثورة 25 يناير


الصفر.. ما هو العالم الذي قامت فيه ثورة 25 يناير؟


منذ عشر سنوات، في محاضرة في كلية الفنون التطبيقية، وقف مهندس النسيج الدكتور حماد عبدالله حماد و هو حائز على جوائز دولية في تصميم النسيج، و له تصميمات معمارية مهمة .. و قال بهدوء، معادلة بسيطة جدا، أن احتياجات الصناعة في أي مكان، لا بد و أن تتوافق معها السياسة، فإن لم تتوافق معها، ووقفت في طريقها، فعلى هذه السياسة أن تتغير.


من المنطقي عندما تتصادم قوتان كالقوة السياسية و القوة الاقتصادية أن تسيطر القوة السياسة على القوة الاقتصادية لتحرك المال بما تشتهي.. و تحول الصناعة ايضا للشكل الذي تشتهيه.. و لكن لو انتصرت القوة الاقتصادية على القوة السياسية فانها تلغيها تماما. و هذا هو السيناريو الوحيد الأوحد الذي يسير عليه العالم و شكله منذ هذا الوقت.


و كان هذا الكلام غريبا جدا في عام 1995


بعدها بعام قال لي الدكتور المهندس محمود حربي.. استاذ في قسم النسيج .. و الذي قام شخصيا بنسج كساء الكعبة يوما ما معناه : هناك العديد من الايدلوجيات التي تتشارك في الشكل الذي وصل اليه مصر الآن، و طبعا كل هذه الايدلوجيات ستنصهر امام ايدلويجة واحدة فقط في المستقبل و هي الايدلوجية الاقتصادية.


يتوافق هذا الكلام الذي قيل لي عام 1998 مع كلام الدكتور حماد.


مع الوقت .. بدأت الايدلوجية الاقتصادية تعبر عن هذا.. اصبحت الايدولجية الوحيدة التي تستمر في النمو..


أحضر لي اي معطى سياسي تاريخي مثلا .. سنجد ان له جانب وقائع .. يواجهه عادة جانب نظريات مؤامرة .. لكن عندما ننظر للجانب الاقتصادي الخاص بنفس الواقعة .. نجد ان الاقتصاد اصبح رقميا جدا .. و اي محاولة لرؤية اي حقيقة اقتصادية في عام 2011 بغير رؤيتها بمعطيات رقمية محددة .. يكون من جانب المزاح.


مثلا مصر انتصرت في حرب اكتوبر على اسرائيل في حرب اكتوبر.. و قد قام السادات بالاعتراف باسرائيل و امضاء معاهدة سلام .. هذا هو الواقع السياسي و التاريخي الذي هو جزء من عام 2011 .. و لكن.. هناك نظريات تقول بل ان اسرائيل هي التي انتصرت على مصر.. و نظرية مؤامرة تقول ان السادات كان عميلا لامريكا و انه عمل هذه الحرب ليدمر انتصارتها .. هناك من يقول ان السادات ارغم على امضاء معاهدة السلام .. الخ من مثل هذه النظريات التي لن اناقشها .. و لكن انا احاول فقط توضيح كيف تخرج علينا في الواقعة الواحدة .. الاف التصورات و النظريات و التحليلات التي قد تصل الى تحييد الحقيقة التاريخية كاملة.


و هيجل قال ان التاريخ بأسره هو اكذوبة البشر الكبرى.


و لكن لو نظرنا للبعد الاقتصادي لما حدث سنجد حقائق موثقة ..

-ان مصر تستفيد من سيناء اقتصاديا في السياحة.


-ان مصر نتيجة معاهدة السلام تقبض سنويا 1.3 بليون دولار و انها تقبض سنويا 40 مليون دولار للتعليم و 50 مليون دولار لتجربة الديمقراطية كل عام و بعض الأموال الأخرى التي رايتها في وثيقة من موقع الكونجرس.. ليصل مجموع المال الى ما قد يعادل ما تقبضه اسرائيل و هو 1.9 بليون دولار. [1] [2]


-ان مصر تبيع الغاز المصري لاسرائيل بسعر التراب.

  • ان مصر نتيجة لمعاهدة السلام اكتسبت حوالي 30 عام من السلام لبناء البلاد و انعاش الاقتصاد المصري. بغض النظر ان فعلت مصر هذا فعلا ام لم تفعل، و لكن الفرصة للعمل بدون حرب كانت موجودة.


الحقائق الاقتصادية لا تملك التحليلات المختلفة .. هي حقيقة واضحة بالأرقام ..


جورج سورس المضارب الاقتصادي الكبير، كان يقول منذ عشر سنوات ان المجتمعات المغلقة يجب عليها ان تنفتح .. نتيجة الاحتياج الاقتصادي .. و انه لا يمكنه تخيل وجود مجتمعات مغلقة في السنين القادمة.


ماذا يعني جورج سورس بالعالم المنفتح؟

الإقتصاد العالمي معطياته كثيرة، مثلا الموارد الأساسية .. كالغذاء و الماء و المواد الخام.. الصناعة و المصنوعات .. و المستهلك لكل هذا و نسبة استهلاكه .. لا يمكن ان نضع المفردات الاقتصادية بدون تحديد المجتمعات التي تكتشفها او تصنعها و المجتمعات التي تستفيد منها..


و كلما قوي نفوذ دولة ما او مجموعة ما اقتصاديا .. بامتلاكها للعناصر الاقتصادية .. كلما قارنت نفسها بالدول التي تساويها في القوة .. و العالم أوشك أن يكون متحركا على هذا النحو.. على اساس القوة الاقتصادية .. تتحدد القوى السياسية و القوى العسكرية .. بالمال يستطيعون شراء ما يريدون حتى السلاح النووي .. و شراء السياسيين .. دولة السعودية في شكلها الحديث اعتمدت على البترول كمولد اقتصادي لتكون ما هي الآن .. و الإمارات اعتمدت عليه في اول الامر و لاحقا على تشييد تجارة حرة مستقلة تحضر اليها الشعوب من كافة بقاع الارض ليكون سوقها مورد اقتصادي او جسد اقتصادي تتبادل به الاموال بالمنتوجات أو ما يعرف بالتجارة.


الثقافة كانت دائما هي المشكلة الاساسية امام السياسة و امام الاقتصاد .. و كان لا بد للحركة الاقتصادية العالمية الان ان تتحرك على اساس الثقافة العالمية .. و الثقافة العالمية هذه ليست نفسها هي الثقافة الموجودة في المجتمعات المغلقة ..


اوروبا، أمريكا، أستراليا، اليابان، و كل دول ما كان يعرف قديما بالاتحاد السوفيتي .. و اسرائيل .. و جنوب افريقيا .. و بلاد افريقية كثيرة .. و امريكا الجنوبية .. ثم بتأثيرهم الهند الآن .. كل هذه الدول هي دول علمانية .. تفصل الدين عن الدولة .. انت في اي مكان حر ان تكون في الدين الذي تريده .. ليس فيها حجاب .. النساء يسرن و يرتدين ما يحلو لهن .. الخمور في كل مكان و الثورة الجنسية الاوروبية و التي ادت لما يعرف علميا باسم الحرية الجنسية ايضا موجودة في كل هذه البلاد .. بما يشمل اللواط و السحاق .. و اشياء اخرى كثيرة كلها هي ما يعبر عنه جورج سورس اذ يقول ان المجتمعات لا بد لها ان تنفتح ..


و المساحة الجغرافية كبيرة.. و العالم ينتج البضائع في ظل هذه العولمة .. الملابس العالمية تنتج للمرأة العصرية المحددة الصفات .. و جمال الرجل و المرأة معرف مسبقا في المجلات العالمية .. فالمرأة يجب ان تكون لها مواصفات شكلية محددة لتوصف بالفاتنة هي نفس مواصفات المرأة التي على المجلة .. و كذلك الرجل له مواصفات محددة .. و بالتالي تنتج بيوت الازياء ما ترتديه المرأة .. و البذة الغربية الخاصة بالرجل يرتديها الرجل في اليابان و الرجل في الغرب.


العولمة تم صنعها في خطوتين .. اذا هي تراكم تاريخي لغزوات ثقافية متتابعة كانت تصحب الاحتلال الغربي للبلاد و الحروب التي خاضها الغرب .. و خرجت محصلة الكر و الفر مع الغزو الثقافي أن أخذ الغرب ثقافات من الشرق كالشاي و اليوجا و القهوة .. و اخذ الشرق من الغرب الثورة الصناعية .. و بدأ الشرق الأقصى يتعادل مع الغرب .. بينما يقع الشرق الأوسط في المنتصف.


ثم خطوة العولمة التالية هي انها تفكر باسلوب مختلف عن اسلوب احتلال العالم بالقوى العسكرية، لأن الغرب فشل في النهاية .. و لأن العقلية الغربية متجددة في افكارها .. بل و في روحها.. فهي في الماضي البعيد مثلا كانت تقوم بالغزوات على الشرق الأوسط تحت اسم الدين و الحروب الصليبية، ثم هي في العصر الحديث تغزو العالم باسم الاحتلال و روحها في ذلك هي روح الديمقراطية و اعادة بناء حضارة روما المنتهية .. ثم هي في العصر الحاضر لا تؤمن باي دين، و الديمقراطية هي الان ليست تطبق كنظام حكم امبراطوري.. و لكنها تعرف بانها نظام حكم العالم الحر.. الجدة الروحية التي تعتمد عليها الان العولة هي العلم الدنيوي .. و تتبلور قمة ايمانها به في ايمانها بنظرية التطور .. و هذه النظرية لها نتائج على الفكر الغربي .. فهو يرى دائما ان اسلوب تفكيره الحالي لا بد و انه اكثر ذكاء من اسلافه الذين قاموا بالحروب الصليبية قديما جدا و اسلافه الذين قاموا بالهجوم على البلاد الفقيرة في افريقيا بدعوى نشر الديموقراطية .. بل والحرب التي بدأت بين الغرب و نفسه حين تصدع الغرب لدول تعتقد في نشر الديكتاتورية و دول تعتقد في نشر الديمقراطية و بدأت هذه الدول تتحارب و بالتالي تحاربت ايضا الدول الصديقة و التابعة لتخرج الحرب العالمية الثانية.


إذا بمنظور الغرب نقرأ: نر اليوم الانسان الأرقى .. الذي سيصبح مع الوقت أكثر رقيا في تطوره .. كيف يمكن ان يكون العالم اليوم بحروب؟ لا بد من ازالة الاديان و هي سبب الحروب الرئيسي.. كل شخص حر في الدين الذي يختاره .. و لكن لا يجب ان يتدخل هذا الدين في السياسة و لا في الاقتصاد .. و لا في خطة العولمة .. و لا في اي شيء .. هو فقط داخل المسجد .. او الكنيسة او المعبد ..


و يجب ان تكون المرأة و الرجل و هما المفردان الاساسيان للمجتمع المستهلك و المنتج للاقتصاد العالمي هما تماما كما بنى الاقتصاد العالمي نفسه اعتمادا عليهما .. لو ان المرأة في اي مجتمع على الارض لها ثقافة مختلفة عن ثقافة المجتمع العولمي .. فهذه مصيبة .. لأن الثقافات الآن تسافر و تعبر القارات .. و تستطيع مثل هذه الثقافة ان تتضاعف .. و يجب العمل يوميا على محوها.


و للعولمة اسلوب جميل في محو الثقافات .. العولمة عادة تبقي على الثقافة التي لا ترغب فيها .. لأن الغرب تعلم ان الخلاص من الثقافة مستحيل .. و لكنها تجعل من وجودها سبب لتدميرها .. عن طريق مهاجمتها في الميديا دائما.. فبغير وجود هذه الثقافة كيف يمكن لهم الهجوم عليها؟ فلتظل اذن هذه الثقافات موجودة..


الخطوة الثانية على هذه الثقافات ان تتواجد في حيز يبعد عن مناطق العولمة النفوذية .. فثقافات الدين مثلا يجب ان تبعد عن مناطق المؤسسات المدنية و يجب ان تظل في المؤسسات الدينية فقط .. و ان تكون هناك علاقة بين هذه المؤسسات .. فالمؤسسات المدنية و الدينية عليهما بعد ذلك انشاء علاقات اقتصادية في ظل العولمة .. فتبيع المؤسسات المدنية ما تحتاجه المؤسسات الدينية .. و لكن المؤسسات المدنية في المقابل تأخذ المداد الروحي الذي يلهم الافراد الذين هم في المؤسسات المدنية.


طبعا هذه الثقافة كبيرة .. و منشترة جغرافيا في اغلب بلاد العالم .. و لكن ..


ليست بنفس قوة الانتشار في الشرق الاوسط العربي!

و الصين هي الاخرى .. بالرغم انها عاشت في العولمة و لكنها لم تعط اليد كاملة لثقافة العولمة بشكل كامل .. فانعزلت و اغلقت على نفسها!

و ايران!

و بعض الدول الاخرى...!


و بدأت بهذا الشكل تظهر خريطة جديدة بحدود جديدة .. خريطة يتحكم فيها الغرب ببساطة عن طريق تحكمه في الهجرة.. و السفر منه و اليه .. فالعالم العربي لا يسافر الى العالم الغربي الا بعد مباراة طويلة في السفارات .. و لينعزل العالم العربي و سيقومون بانتاج كل ما يستطيعون ليمثلوه على انه عالم اسلامي ( بالرغم من ان فيه مسيحيون مثلا ) .. و بعد ذلك يصفون الاسلام بصفات معينة .. و افريقيا الاخرى كذلك معزولة.. و تمثل للغرب على انهم الفقراء الذين يجب بعث الاموال اليهم بين فترة و اخرى ليحسوا بالمشاركة الانسانية مع العالم التي دائما ما تثبت بها العولمة نبل مقصدها بهذه المساهمات المستمرة لافريقيا.. و طبعا لا يساهمون باي شيء للعالم الاسلامي الذي رسموه.


و بذلك فصلت حدود اخرى غير الحدود التي نعرفها بين العالم المفتوح و العالم المغلق.. و كان هذا هو العالم الذي قامت فيه ثورة 25 يناير 2011 ..


مراجع

  • [1] Everything You Need To Know About The $2 Billion That America Gives To Egypt Each Year
  • [2] Making Sense Of U.S. Foreign Aid To Egypt And Elsewhere

1 comment:

نادى الاخبار said...

موضع جميل
شكرا لك